كيف اعاودك وهذا اثر فأسك
يروى أنه كان هناك أخوين متحابين تشاركا كل شيء في الحياة، حتى الإبل الذي كان يعتبر رمزاً للسلطة والجاه، وفي يوم من الأيام عم الجفاف وانتشر فأجدبت البلاد، وقل الزرع، وندر الكلأ، وكان بجوار بلادهما واد خصيب، مليء بالزرع والشجر والأعشاب،
وكانت في ذلك الوادي حية تحميه وتمنع أي أحد من الاقتراب منه أو الرعي فيه.
فقال أحد الأخوين للآخر: يا أخي، لو أني أتيتُ هذا الوادي المكلأ فرعيتُ فيه إبلي وأصلحتها
فرد عليه أخوه قائلاً: إني أخاف عليكَ من حية ذلك الوادي! فلا يوجد أحد يذهب إلى ذلك الوادي إلا وأهلكته.
فأصر أخوه على النزول وقال: فوالله لأفعلن.
فنزل أخوه في ذلك الوادي وأخذ يرعى إبله فيه لفترة من الزمن،
فحزن أخوه عليه حزناً شديداً، وقال: لا يوجد في الحياة خير بعد أخي، وأقسم ليطلبن الحية أو ليلحق بأخيه.
وهبط إلى الوادي وبحث عن الحية فقدر عليها، وعندما هم
قالت له الحية: ألا ترى أني أخيك؟
قال لها: نعم، وها أنا أثأر له.
فقالت له الحية: هل لك في الصلح، وأدعك ترتع في هذا الوادي كيفما شئت، وأعطيك كل يوم دينار من ذهب.
فقال لها: أوَ فاعلة ذلك أنت؟
فقال لها: إني فعلت ذلك، وأخذت عليه المواثيق والعهود على أن لا يضرّها أبداً، وأخذ ينزل الوادي وقتما شاء، ويذهب فيه إلى أي مكان شاء، وأخذت الحية كل يوم تعطيه ديناراً، حتى كثر ماله، وعظم جاهه، وكبر سلطانه، وزادت تجارته، وأصبح من أغنى الناس، وأحسنهم حالاً،
ولكنّه تذكر أخاه، ولم ينسى من دمه، وعزم على الإنتقام له،
وقال في نفسه: ماذا ينفعني العيش في هذه الحياة، وأنا إنظر إلى قاټل أخي أمامي؟
فأخذ فأساً بيده، وعزم على ، فقعد لها ينتظرها، فسارت أمامه فتبعها، وقبل أن تدخل جحرها ضربها في الفأس فأخطأها، ودخلت هي الجحر، وأصاب الجبل فوق ذلك الجحر، فأثرت الضړبة به وتركت أثراً واضحاً عليه.
فلما رأت من غدره قطعت عنه الدينار، فخاف الرجل من الحية وشرها، فندم على ما فعل،
وجاء للحية وقال لها: هل نعود ونتواثق من جديد ونعود إلى ما كنا عليه من قبل.
وهنا قالت الحية له قولتها الشهيرة التي أصبحت مثلاً فيما بعد: كيف أعاودُكَ وهذا أثرُ فأسِكَ؟
إذا فهذا المثل يقال لمن عاهدنا، ثم نسي عهده وغدر فينا، وكم من شخص نعرفه نقول له كيف نعاودك وهذا أثر فأسك، وهذا أثر غدرك واضح،
كيف لنا أن نعود لما كنا عليه وقد غدرت بنا، وتجاهلت ما اعطيته من المواثيق والعهود.